متاهة رأس السنة من جديد


في ليلةٍ تتكررُ كالأساطيرِ المملَّة،
كساعةٍ رتيبةٍ تُعيدُ دقاتها دون أن تُخطئ،
جلستُ أراقبُ احتضارَ العامِ على مائدةِ الضجيج،
والأضواءُ تتراقصُ كأنها تغري العابرين
بأملٍ مستعارٍ من كواليس المسرح.


المدينةُ غارقةٌ في زينتها الزائفة،
تُشبهُ عروسًا أُجبِرت على زواجٍ بلا حُب.
كلُّ شيءٍ يبدو مثاليًا...
لكن وراءَ الستارِ صريرُ اليأس،
وعيونٌ تسرقُ الضحكاتِ من أفواهِ الغرباء.

الساحاتُ مكتظةٌ بالمكرَّر،
وجوهٌ ترتدي ذات الأقنعةِ التي لبستها في العامِ الماضي،
وأنا، كشاعرٍ مسكونٍ بوحشةِ التكرار،
أبحثُ عن نافذةٍ تفتحُ على الجنون.

كلُّ شيءٍ يدورُ كدولابٍ مكسور،
الأغنياتُ ذاتها،
القبلاتُ ذاتها،
الأحلامُ ذاتها مغلَّفةٌ بورقٍ جديد،
حتى الحزنُ ذاته... لكنه في ثوبٍ أسودَ أكثر أناقة.

يُقال إنَّ العامَ الجديدَ فرصةٌ للبدء،
لكن كيف يبدأُ المرءُ من حفرةٍ أعمق؟
كيف يُجدِّدُ الحبَّ في قلبٍ أنهكتهُ الآمالُ المستعملة؟
كيف يحتفلُ بالضوءِ حين تكونُ الظلالُ
هي النصُّ الوحيدُ الذي لم يتكرَّر؟

في زاويةٍ من المقهى،
جلستُ أكتبُ شعري على منديلِ الورق،
أتساءلُ:
هل يمكنُ للشعرِ أن يثورَ على هذا المللِ الكوني؟
هل يمكنُ للحروفِ أن تهربَ من عجلةِ التكرار
وتُعلِنَ ليلةً لا تشبهُ غيرها؟

لكنَّ المدينةَ لا تسمع،
مشغولةٌ بتزييفِ فرحتها،
تُرقِّصُ العابرينَ على أنغامِ الاستهلاك،
وأنا، في وسطِ الزحام،
أنظرُ إلى العامِ القادمِ كطريقٍ مُوحِشٍ جديد
يبدأُ من ذاتِ النقطة...
وينتهي إليها.

إرسال تعليق

يرجى الالتزام بآداب النقاش واحترام آراء الآخرين. التعليقات المسيئة أو غير ذات الصلة لن يتم نشرها.

أحدث أقدم